دور الدعم النفسي في تحسين حياة المسنين

رحلة فهم وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي لكبار السن لضمان حياة كريمة ومستقرة

يعتبر التقدم في العمر مرحلة حاسمة في حياة الإنسان، حيث يواجه المسن العديد من التحديات النفسية التي تؤثر بشكل كبير على جودة حياته، ومن بين هذه التحديات يأتي الشعور بالعزلة وفقدان الأدوار الاجتماعية والانتقال إلى مرحلة التقاعد مما يخلق ضغوطًا نفسية قد تؤدي إلى الاكتئاب أو القلق. في هذا التقرير، نوضح لكم دور الأطباء والمتخصصين في توفير الدعم النفسي المناسب للمسنين لتجاوز هذه التحديات، ومن خلال رؤية متكاملة من خلال تجارب العديد من الخبراء في مجال الصحة النفسية والاجتماعية، ويمكن تحديد الحلول الفعّالة لمساعدة المسن في التكيف مع هذه المرحلة من حياته.
التحديات النفسية التي تواجه المسنين

الدكتور علاء غندور، استشاري العالج النفسي السلوكي والتحليل والتأهيل النفسي

أوضح الدكتور علاء الغندور أن من أبرز الاضطرابات النفسية التي يعاني منها المسنون هو الوصول إلى سن التقاعد، سواء كانوا رجالاً أو نساء، وهذا التحول يخلق لديهم شعورًا بالدونية، حيث يشعرون بأنهم أصبحوا بلا فائدة في الحياة، وأنهم فقدوا قيمتهم، وكما أنهم يعانون من العجز المادي بشكل كامل، إذ أن المعاش غالبًا لا يتجاوز ربع الراتب الذي كانوا يحصلون عليه.

ويُضاف إلى ذلك الإحساس بالعجز الناتج عن بقائهم في المنزل دون الخروج، ما يزيد من شعورهم بالحزن تجاه أنفسهم بسبب نظرات الآخرين، إذ لم يعودوا يمتلكون سلطة إصدار الأوامر أو اتخاذ القرارات، وأصبحوا عرضة لتجاوزات الآخرين عليهم، وهذا الشعور بالعجز والقهر يؤدي إلى اضطرابات نفسية، حيث يبدأ المسن في كبت مشاعره واستعادة ذكريات لحظات القهر والإحباط والهزيمة التي مر بها، مما يفاقم حالته النفسية ويزيد من احتمالية إصابته بالاكتئاب، وفي بعض الحالات يصل الأمر بالبعض للأسف إلى التفكير في الانتحار

الدكتورة نادية جمال - استشاري علاقات أسرية وإرشاد نفسي

قالت الدكتور نادية جمال، أن أكثر ما يواجهه المسنون من تحديات هو العزلة الاجتماعية، حيث ينتقلون من نمط حياة كان مليئًا بالتفاعل اليومي مع زملائهم في العمل أو ممارسة أنشطة متعددة، إلى البقاء وحيدين، مما يجعل اليوم يبدو طويلاً للغاية.

وكما يعاني معظم كبار السن، وليس جميعهم بالطبع من النسيان أو فقدان بعض الأحداث والمواقف أو التواريخ المعينة، بالإضافة إلى ذلك قد يسيئون تفسير بعض الأمور أو يفهمونها بشكل خاطئ. ومن التحديات الأخرى التي تواجههم فقدان الاستقلالية، حيث كانوا معتادين على القيام بمهامهم اليومية بأنفسهم والاعتماد على ذواتهم، ولكنهم يبدأون تدريجيًا في الحاجة إلى المساعدة في أمور مثل مواعيد الأدوية وتناول الطعام والتحركات داخل المنزل، مما يشعرهم بفقدان السيطرة على حياتهم.
طرق العلاج والدعم النفسي

الدكتور علاء غندور، استشاري العالج النفسي السلوكي والتحليل والتأهيل النفسي

طرق العلاج التي يمكن استخدامها مع المسنين تعتمد بشكل أساسي على فهم حالتهم النفسية وتحليلها بشكل دقيق، وأول خطوة هي إجراء تحليل نفسي لتحديد وضعهم

يشير الغندور، أن بعض المسنين قد يمرون بمرحلة جديدة وغير مألوفة مما يجعلهم يشعرون بالارتباك وعدم التكيف. في هذه الحالة، ويمكن تقديم جلسات تأهيل نفسي تساعدهم على بدء أنشطة جديدة، والاستمتاع بالحياة بشكل مريح ومبهج، وكأن يستغلوا فترة التقاعد كفرصة للاستجمام والاستمتاع بوقتهم. أما إذا كان المسن يعاني من اكتئاب نتيجة فقدان السلطة أو الدور القيادي، تكون الحالة أكثر صعوبة، وفي هذه الحالات قد يظهر المسن غضبه على أسرته مما يستدعي علاجًا نفسيًا متخصصًا يتبعه تأهيل نفسي لتعليمه كيفية التعامل مع المرحلة الجديدة. في الغالب، ويُفضل تجنب استخدام الأدوية إلا في الحالات الشديدة التي تتطلب أدوية مهدئة أو مسكنة

داليا أبو سنة - صانعة محتوى لكبار السن

يمكن مساعدة المسنين على التكيف مع مرحلة الشيخوخة وفقدان الأدوار الاجتماعية من خلال سؤالهم عن اهتماماتهم، حيث أن الكثير منهم ينسون هذه الاهتمامات بسبب انشغالهم بتربية أبنائهم مثل التعليم والزواج وبالتالي ينسون أنفسهم، ولذلك يجب تذكيرهم بما كانوا يحبون فعله مثل الخروج ولعب الكوتشينة أو المشي على النيل والبحث لهم عن مجموعات متاحة لهم

ويمكنهم الانضمام إلى الأندية أو النوادي التي تقدم أنشطة مختلفة مثل أندية المعلمين أو غيرها من الأنشطة المتاحة في المنطقة، ويجب إرشادهم إلى هذه الأماكن وتسهيل اندماجهم فيها، ونحن نساعدهم في الخروج من العزلة الاجتماعية من خلال تعريفهم بالمجموعات الجديدة التي يمكنهم الانضمام إليها
دور الرعاية والحلول البديلة
يرى الدكتور علاء عندما نلجأ إلى وضع الآباء أو الأمهات في دور الرعاية في حالات معينة منها: جحود الأبناء وعقوقهم مما يؤدي إلى غياب الرعاية اللازمة، وكذلك قد يكون السبب هو معاناة المسن من مرض شديد يستدعي وجود رعاية طبية متواصلة لا يمكن توفيرها في المنزل، وأحيانًا يكون السفر الطويل للأبناء خارج البلاد أو الإقامة في أماكن بعيدة عاملاً أساسيًا في اتخاذ هذا القرار

الخلاصة

الاهتمام بالصحة النفسية للمسنين ليس مجرد ضرورة طبية، بل هو واجب إنساني وأخلاقي. من خلال الدعم النفسي والاجتماعي، يمكن للمسنين أن يعيشوا حياة كريمة مليئة بالراحة النفسية والاستقرار، ويجب على الأسر والمجتمعات أن تكون أكثر وعيًا بحاجات كبار السن النفسية والعاطفية والاجتماعية وأن يتخذوا خطوات ملموسة لتقديم الدعم والمساندة لهم سواء من خلال التشجيع على الأنشطة الاجتماعية أو توفير بيئة آمنة وداعمة

Scroll to Top