
ماما سماح .. حين يأتي رمضان ولا يأتي الأحباب
في فناء دار “زهرة مصر” جلست “ماما سماح” ترتدي عباءة زرقاء وطرحة خضراء تحرك يدها وكأنها تحكي قصة حملتها السنوات بين طياتها.
تبدو على ملامحها آثار الزمن لكن عينيها تحملان دفء الأمومة ووجع الاشتياق.
بصوت تخنقه الالم تقول “كنت زي أي ست مصرية.. بيتي كان مملكتي أصحى الصبح أفتح الشبابيك أشم هوا جديد أرتب البيت وأكنسه وبعدها أدخل المطبخ أجهز الفطار.. في رمضان كنت لازم أعمل الكنافة والقطايف، ماكانش ينفع السفرة بدونهم”.
تبتسم للحظة ثم تتلاشى ابتسامتها سريعًا “دلوقتي بشم ريحة الأكل من بعيد لكن ماحدش بيستناني على السفرة..”
رمضان الذي لا يشبه الأمس…
بالنسبة للكثيرين، رمضان هو شهر اللمة والدفء العائلي لكنه بالنسبة لـ”ماما سماح” أصبح موسمًا من الحنين الثقيل كل عام حين تشتعل المصابيح في الشوارع وتتعالى أصوات المسحراتي يعود إليها طيف منزلها القديم وصوت أبنائها يملأ الأرجاء ويدها التي كانت تتحرك بمهارة بين الأطباق والحلويات تُعد ما يحبونه بحب خالص.
“رمضان كان حاجة تانية وسط ولادي، كنت أفرح وأنا بسمعهم بيطلبوا أكلاتهم المفضلة ماما عايز كنافة ماما عايز قطايف.. كنت بحب تعب المطبخ عشان أشوف فرحتهم.. النهارده حتى التعب وحشني”
تحاول أن تخفي دموعها لكنها تأبى إلا أن تسيل لا تحب أن يراها أحد ضعيفة لكنها لا تستطيع مقاومة طوفان الاشتياق.
الغربة داخل البيت….
لم يكن الطريق إلى “زهرة مصر” مفروشًا بالاختيار بل كان إجبارًا حملته الأيام الثقيلة فوق كتفيها تفكك أسري وخلافات لم تكن تتخيل أن تصل إلى هذا الحد لحظة واحدة كانت كافية لتنهار كل جدران حياتها وتجد نفسها بلا مأوى من منزل دافئ إلى رصيف بارد ومن صوت الأبناء إلى صمت الشوارع القاسية
“كنت فاكرة إن البيت أمان بس فجأة لقيت نفسي برا الشارع كان قاسي بس القسوة الحقيقة كانت إن محدش دوّر علي”
تمرر يدها على أطراف طرحتها ثم تتنهد طويلًا “عيالي وحشوني.. نفسي أشوفهم.. نفسي أقولهم كل سنة وانتوا طيبين بمناسبة الشهر الكريم، حتى لو من بعيد”
لم تر أبناءها منذ سنوات لا مكالمات لا زيارات فقط انتظار ثقيل على القلب وأمل لا يموت.
داخل الدار وجدت “ماما سماح” سقفًا يحميها وجدرانًا تمنحها بعض الأمان لكن الروح تظل مشرّدة الوجوه حولها لطيفة لكن لا أحد يشبه “أحمد” و”سارة” لا أحد يناديها “ماما” كما اعتادت أن تسمعها يوما
“الناس هنا طيبين بس الحضن اللي ناقصني مش عند حد فيهم.. الأكل بيتحطّ قدامي بس ماحدش بيقول لي تسلم إيدك يا ماما.. ودي أصعب حاجة”
رسالة لم تصل بعد
في كل ليلة رمضانية تبقى “ماما سماح” مستيقظة تحدّق في سقف الغرفة وكأنها تنتظر شيئًا مكالمة زيارة مفاجئة أو رسالة
“كل سنة وانتوا طيبين، وحشتوني..” ثم تغلق عينيها، على أمل أن تستيقظ يومًا ما على صوت “ماما”.